الأربعاء، 12 مايو 2010

Posted by BELAL | File under :
تبدو الأمور من بعيد غامضة ومحيرة، لكن الاقتراب منها يزيل غموضها، ويساعد على معرفة حقيقتها.
لذلك
كان الاقتراب من كتب السحر كاشفًا لكثير مما يتعلق بعالمه: كيف يفكر
السحرة؟ وما طبيعة وأشهر كتبهم؟ ومن أين وكيف تصدر؟ ومن يقف وراء إصدارها؟
وماذا تحتوي من تعاويذ؟ وما الصورة الذهنية التي ترسمها هذه الكتب عن
مؤلفيها...؟
على حين تتواجد كتب العلاج بالقرآن من السحر والمس من
الجن في كل مكتبة تقريبًا، ولدى كل بائع كتب على أرصفة الشوارع؛ فإن كتب
السحر وتحضير العفاريت والجان يندر وجودها إلا في مكتبات بعينها في منطقة
الحسين بمصر، ومناطق متفرقة أخرى كأنها جزر معزولة.
ففي القاهرة
-مثلا- وفي ميدان رمسيس أكبر ميادين العاصمة المصرية يوجد 12 بائعًا للكتب
ما بين مكتبات ثابتة وبائعي أرصفة، لا تباع كتب السحر إلا عند اثنين فقط
من بائعي كتب الأرصفة، بينما تباع كتب العلاج بالقرآن لدى 8 منهم، بينما
توجد ميادين بكاملها تخلو من كتب السحر والعفاريت والشعوذة.
والذي
يجمع بين دور النشر المختصة في كتب السحر أن الوازع والمبرر الذي من أجله
تخصصت في هذا الغرض غير واضح أو معلوم؛ فبعضها يبدو أصحابه في هيئتهم أقرب
إلى السحرة والدجالين أو المتعاونين معهم، والبعض الآخر يبدو وكأنه لا
تربطه بالفكرة سوى أكل العيش كما قال أحدهم؛ "إذ لهذه الكتب قارئ مضمون
يبحث عنها بأي ثمن".

الشكل
غلاف الكتاب أول ما يقع عليه بصر
القارئ؛ لذلك يهتم المؤلفون والناشرون بتصميم الغلاف، غير أن أغلفة كتب
السحر والشعوذة خالية من أي أشكال أو رسوم أو صور؛ فهي مجرد ورق سميك بلون
واحد يكون غالبا السماوي الفاتح أو الأحمر الفاتح، وعلى الغلاف يطبع اسم
الكتاب بالخط الديواني الأنيق غالبًا، وهو ما يوحي بالخفة والرشاقة
والدقة، وربما يتفق مع موضوع هذه الكتب وما به من غموض.
وتخلو غالبية
الكتب من ذكر تاريخ نشر أو طباعة، ومن ثم لا يتمكن القارئ من معرفة إن كان
كتابًا جديدًا أم قديما، وربما كان الهدف من وراء ذلك إطالة عمر الكتاب،
والإيحاء بأن أسراره سارية بغض النظر عن تاريخ تأليفها.
ولا يلتزم
مؤلفو هذه الكتب بما ينص عليه القانون من إيداع أي كتاب جديد في دار الكتب
القومية وترقيمه للحفاظ على حقوق المؤلف، وذاكرة الأمة أيضًا؛ وهو ما يعني
أن مؤلفي هذه الكتب لا يهمهم ذلك، كما لا يبالون بحقوق المؤلف أو أن يسطو
أحد على كتبهم وينسبها لنفسه.
وورق كتب السحر رديء رخيص الثمن (ورق
دشت) ذو بياض منطفئ؛ وهو ما يوحي بأنها قديمة وربما أثرية، ولكنك تكتشف
التناقض حين تلمس ورقه الداخلي فتجد أنه لم يفتح من قبل، وأنه طبع حديثًا
ولكن بطرق طباعية قديمة (طريقتا الحروف البارزة والغائرة).
وتتسم هذه
الكتب بالحجم الصغير؛ إذ إنها تبدأ من 90 ورقة فقط ولا تزيد في أغلب
الأحيان على 150 ورقة؛ لذلك فإن تكلفتها الاقتصادية زهيدة، ورغم ذلك ترتفع
أسعارها مقارنة بتكلفتها الضئيلة ومقارنة بأسعار الأنواع الأخرى من الكتب
المبيعة المطبوعة بشكل أفضل، وعلى ورق جيد؛ إذ يتراوح كتاب السحر الواحد
من 7 جنيهات إلى 15 جنيهًا (من دولار إلى دولارين)، في حين أن كتب العلاج
بالقرآن تبدأ من جنيه إلى 7 جنيهات (أقل من دولار) في طباعة جيدة قد
تستخدم أكثر من لون، وغلاف مصمم جيدًا ويحتوي على 4 ألوان.
وفسر لي
أحد البائعين ارتفاع سعر الكتاب بقوله: "السعر لا يحسب بعدد ورق الكتاب،
وإنما بما يحتويه من علم، ويدرك الجميع قيمته"! وإجمالا فإن هذه النوعية
من الكتب تتسم بالفقر الشديد من الناحية الطباعية، وإن كانت -على العكس من
ذلك- تتمتع بدرجة عالية من المحسنات اللغوية ويكثر السجع كثيرًا في
كتابتها.

المضمون
وباستثناء عدد محدود جدًّا من الكتب مثل
"شمس المعارف الكبرى" و"منبع أصول الحكمة" يدل العنوان على مضمون الكتاب
من أول وهلة؛ فتكثر كلمات السحر والجن والكلمات المرتبطة بها مثل "الخاتم
السليماني".
وجاءت عناوين الكتب كالتالي: "الجواهر اللماعة في
استحضار ملوك الجن في الوقت والساعة"، و"السحر الأحمر"، و"اللؤلؤ والمرجان
في تسخير ملوك الجان"، و"كتاب سحر الكهان في حضور الجان"، و"السر الجليل
في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل".. المسمى بـ"الجواهر المصونة واللآلي
المكنونة". و"أبي معشر الفلكي الكبير في طوالع الرجال والنساء بالتمام
والكمال"، ويليه "طالع الحدس" و"المندل والخاتم السليماني والعلم
الروحاني". و"مفاتيح الكنوز في حل الطلاسم والرموز" و"سحر بارنوخ للحكيم
أبو السحر السوداني".
واقتصر تأليف هذا الكتب على دائرة معينة من
المؤلفين كثرت كتبهم لدى الباعة، وهم: عبد الفتاح السيد الطوخي، رمضان
محمد عبد اللطيف الجعفري الفلكي، محمد سامي محمد أحمد، ومن الكتاب القدامى
في العصور الوسطى تقابلنا أسماء أحمد بن علي البوني المتوفى 622هـ، الشيخ
أبو المواهب الحلوجي الحنفي، الشيخ على أبو حي الله المرزوقي، الإمام عبد
الحق بن سبعين، وتم التعريف بالمؤلفين القدامى على أنهم "الإمام" والشيخ"
و"الحكيم الشهير".
في حين قدم المؤلفون المعاصرون أنفسهم بألقاب
"الأستاذ" و"الأستاذ الكبير"، كما يخلع المؤلف على نفسه وظيفة "نائب رئيس
الاتحاد العالمي للفلكيين والروحانيين بمصر" أو "مدير عام معهد الفتوح
الفلكي"، "عضو الاتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين.. المقر بباريس".
فالرسالة
التي يريد مؤلف كتب السحر أن يدركها القارئ أنه عالم وذو مقام ووظيفة مهمة
هي السحر، وبالنسبة للقدماء منهم بأنه أهل فقه وورع؛ فهم أئمة ومشايخ.
وتحتوي
كتب السحر كعادة أي كتاب آخر على مقدمة وجسم الكتاب وخاتمة وفهرس، لكنها
تختلف في التبويب؛ فغالبية الموضوعات تتسم بالقصر الشديد، وتحتوي الصفحة
الواحدة أكثر من 3 موضوعات ليس بينها أي ارتباط.
ويمكن تقديم أي
موضوع على آخر أو حتى حذفه دون أن يوجد أي خلل في الكتاب؛ فلا توجد فصول،
بل كلها موضوعات قصيرة متتالية، في حين أن هناك فئة ثانية قليلة من الكتب
تتسم موضوعاتها بالترابط والبناء العضوي، مثل كتاب "الجواهر اللماعة في
استحضار ملوك الجن في الوقت والساعة"؛ فكل جزء يرتبط بما قبله أو ما بعده
ويترتب عليه، ويمتد الموضوع عبر الصفحات مثل موضوع "أسرار الأسماء" فيمتد
عبر 8 صفحات يشرح فيها المؤلف ما يدعي أنه سر لكل اسم، وكيف يتعامل الساحر
مع هذه الأسماء!
في مقدمة الكتاب يعرف المؤلف بنفسه؛ فيذكر أحدهم
"أنا الفقير بحركتي وسكوني، الذليل الحقير أحمد الشهير بالبوني، وفقني
الله والمسلمين لما فيه رضاه".
ويقدم مؤلف آخر نفسه قائلا: "اسمي عبد
الفتاح السيد عبده الطوخي، وشهرتي "الطوخي الفلك" ابن... بن الحسن المثني
بن الحسن السبط بن فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ويصف آخر نفسه قائلا بأن الله "أفاض علي من أنوار رحمته قبول الإجابة،
وكشف لي عن أسرار أبواب الإنابة".
فكل واحد يزعم أنه له ما يميزه كالنسب للرسول صلى الله عليه وسلم أو الاطلاع على أمور غير متاحة لغيره.
ويضمن
المؤلف مقدمته دافعه للكتاب، ويحصره في أسباب عدة؛ أهمها طلب الخير
للآخرين ومرضاة الله تعالى؛ فيقول أحدهم: "ألهمني الله سبحانه وتعالى أن
أودع شيئا من هذه الأسرار والبركات في كتاب مختصر، ورجاء أن أنال دعوة
صالحة من أخ في الله تعالى".
من الوهلة الأولى يريد الساحر أن يرسل
بإشارات محددة إلى قارئه تتلخص في أنه عارف بالله ومسلم ورع وتقي، يبدأ
حديثه بالقرآن والصلاة والصيام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويطلب
من الله المغفرة والنجاح؛ فتكثر هذه الافتتاحيات في كتبهم: "الحمد لله رب
العالمين حمدًا كثيرًا يوافي نعمه... إلخ"، و"الحمد لله قاهر الجبابرة
والمتمردين وقاطع دابر الظالمين المعتدين.. والسلام على سيف الله المسلول
سيدنا محمد أكرم نبي ورسول".
فمؤلفو كتب السحر لا يتعرضون إطلاقًا
إلى تحريم الإسلام لعملهم، ولا يذكرون أنه حتى مجرد عمل مباح، وإنما
يكتبون بشكل يوحي أن سحرهم مباح بل ومرغوب للخاصة الذين أنعم الله عليهم،
وتخلو الكتب غالبا من الدخول في الجدل حول حقيقة السحر وما يثيره خصومه من
انتقادات للسحرة؛ فالكتب لا تتيح -غالبا- أي مجال للنقاش؛ فكل ما يقوله
المؤلف مسلم به وصحيح، ويجب على الطالب أن ينصت لأستاذه، وينفذ تعليماته
بالحرف، ويؤكد أن تعاويذه تؤتي ثمارها في الحال.
ورغم الثقة الزائدة
التي يتحدث بها مؤلفو كتب السحر عن نتائج أعمالهم؛ فإنهم لا يوضحون مصدر
علمهم، وتخلو جميعها من أي توثيق. وقد يرد عرضًا في حديثهم إجمالا أن بعض
المحققين أو العلماء قرر كذا وكذا، ولكن دون ذكر لهم. والغريب أنها قد
تنسب بعض الآراء وأحيانا تنسب هذه الكتب إلى أعلام الأئمة والفقهاء
والمحققين، وهم أبعد الناس عن هذا المجال مثل أبي حامد الغزالي وأبي الحسن
الشاذلي وجلال الدين السيوطي.
وتستخدم كتب السحر طلاسم كثيرة تتنوع
من كتاب لآخر في الغرض الواحد، وبعض هذه الطلاسم أرقام في أعمدة تسمى
"الوفق"؛ فإذا جُمعت أعداد أي عمود كانت مساوية لمجموع أعداد العمود
الآخر، وبعض الطلاسم حروف وبعضها دوائر.
ويرجع ذلك إلى زعم بعض السحر
أن للحروف والكلمات والآيات القرآنية أسرارا، وأنها إذا استُخدمت بشكل
معين حققت المطلوب. وقد ترد في طلاسمها كلمات غير مفهومة، أو يأتي الطلسم
على شكل رسم أو كتابات وأشكال منطقية غير مفهومة.

الموضوعات
تكاد
كتب السحر تتناول كل أمور حياتنا؛ فهي لا تتوقف عند حد عالم الجن
والعفاريت، بل تتعداه إلى شفاء أمراض الكبد والقلب.. وجلب عريس للفتيات
وإيقاع المحبة.. وتحويل التراب إلى ذهب ومعرفة السارق أو اللص وهزيمة
العدو وعقد ألسنة الحكام! حتى يُهيَّأ لمن يقرؤها أن علوم الفلك والطب
والهندسة والفيزياء والرياضيات... إلخ اجتمعت عند مؤلف الكتاب!
فإذا
أردت شيئا من هذا فما عليك سوى أن تحضر المطلوب، وتنفذ الخطوات، وتقرأ
التعزيمة؛ وساعتها "يحصل المراد، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع
والمآب" كما يقول المؤلف!

0 التعليقات:

إرسال تعليق